ما هو انجيل برنابا؟ وكاتبه؟ وفي اي زمن كتب؟ وأسباب كتابته؟ والى من يتوجه؟ كل هذه الاسئلة وسواها تعطينا الاجوبة الصحيحة لأسئلة كثيرة تبعد الشك إذا كان اصحاب الشك مصرين على الذهاب بعيداً في شكوكهم ونياتهم السيئة في زرع الفتنة بين المسيحيين والمسلمين، عن قصد أو عن غير قصد منهم.
فالمسلمون على الصعيد الشعبي يقتنون انجيل برنابا في منازلهم لاعتقادهم بأنه الانجيل الصحيح الذي لا يعترف به المسيحيون، لأسباب كثيرة. وأن الفاتيكان يخفي في كواليس مكتبته الانجيل الحقيقي الذي يشير الى النبي محمد وسواها من الامور التي تعطي قيمة وتقدما للإسلام على المسيحية. وهذا ما سمعته من كثيرين منهم على الصعيد الشخصي بطبيعة عملي الاعلامي واختصاصي الديني واختلاطي بالكثيرين من الإخوة المسلمين.
لذا أحببت أن أعرّف عن هذا الانجيل وما يتعلق به معلومات علمية حتى تتوضح الصورة لدى من يقرأ هذا الموقع وينشر هذه المعلومات علنا نستفيد من نشر الحقيقة ونسير بدرب تؤدي الى الوفاق أكثر منه الى النفاق والتفرقة.
إنجيل برنابا
منذ بدء القرن العشرين وكثر الجدل حول "إنجيل برنابا" فقلة قليلة تدَّعى أن هذا هو الإنجيل الصحيح وأن الكنيسة قد أخفته عن أتباعها منذ القرون الأولى. فما هي قصة هذا الكتاب؟ ولماذا يتمسك البعض به؟ وهل هناك أدلة على أنه كتاب مزيف؟ هذا ما سوف نناقشه في هذه المقالة وهدفنا هو الوصول إلى الحقيقة. أولاً: مقدمة تارخية: يوجد إنجيل برنابا الآن في مخطوطة وحيدة مكتوبة باللغة الإيطالية، محفوظة في المكتبة القومية بالنمسا وهى تعود للقرن السادس عشر كما أكد الدارسون، وذلك من خلال نوع الورق المستخدم، فهو مصنوع من ألياف قطنية، وعليه علامة مائية على هيئة مرسلة سفينة، وهو نوع الورق الذي كان يُستخدم في إيطاليا في ذلك الوقت، وأول ذكر لهذه المخطوطة كان في بداية القرن الثامن عشر. وهناك مخطوطة أسبانية مفقودة، تحدث عنها جورج سال في بداية القرن الثامن عشر، وفيها يذكر قصة اكتشاف هذا الإنجيل ويقول إن راهب يُدعى مارينو كان في زيارة بابا روما، وبينما هما معاً في المكتبة نام البابا، وبينما يبحث مارينو في المكتبة وجد إنجيل برنابا، فأخفاه أي سرقه، وعندما قرأه اعتنق الإسلام ونشر هذا الكتاب وبالطبع هذه القصة يشوبها كثير من الكذب. ولم يُعرف إنجيل برنابا معرفة حقيقية حتى قام لوندال ولورا راج بترجمته من الإيطالية إلى الإنجليزية سنة 1970م، وقد قاما بكتابة مقدمة أثبتا فيها أن هذا الكتاب مزيف ويعود للقرن الرابع عشر ولكن للأسف كل الترجمات التي أخذت عنهما حذفت هذه المقدمة النقدية. في سنة 1908 ترجم د. خليل سعادة هذا الإنجيل إلى اللغة العربية، ونشره الشيخ محمد رشيد رضا، أحد تلاميذ الشيخ محمد عبده، ومؤسس مجلة المنار. والطبعة العربية الموجودة حالياً بها مقدمة د. سعادة، ومقدمة كتبها الشيخ محمد رشيد رضا. وهناك ترجمة عربية أخرى قام بها د. أحمد طاهر وصادرة عن دار المعارف بمصر تحت عنوان "الأناجيل دراسة مقارنة". ثانياً: إنجيل برنابا والقديس إيريناوس: ذكر جورج سال في مقدمة ترجمته للقرآن عندما تحدث عن قصة اكتشاف إنجيل برنابا أن الراهب مارينو عثر على رسائل للقديس إيريناوس وفي أحداهن يندد بالرسول بولس، وأنه أسند تنديده هذا إلى إنجيل برنابا. وبالطبع هذا القول كاذب، ومحاولة فاشلة لإثبات أن لهذا الكتاب وجود في القرن الثاني. وهناك أدلة على ذلك: القديس إيريناوس عاش في القرن الثاني الميلادي، واستمع في شبابه إلى عظات القديس بوليكارب أسقف سميرنا وتلميذ الرسل يوحنا، ذهب إلى فرنسا (الفال) وسيم كاهناً على كنيسة ليون، ثم صار أسقفاً سنة 177م. وقد كرس حياته لدحض البدع وخاصة الغنوسية وكتب "ضد الهرطقات، برهان التعليم الرسولي.. وغيرها" وبدراسة هذه الكتب نجد أنه اقتبس فيها من الأناجيل الأربعة ورسائل القديس بولس، منادياً بنفس التعاليم، ولم يندد بالرسول بولس، وليس هناك أي ذكر لإنجيل برنابا، بل إن ما جاء بكتبه وعظاته يتعارض مع ما جاء في إنجيل برنابا، الذي ينكر أسس الإيمان المسيحي المعروفة. ثالثاً: من هو كاتب إنجيل برنابا؟ يجمع مؤيدو إنجيل برنابا على أن كاتبه هو برنابا المذكور في الكتاب المقدس (سفر أعمال الرسل، رسالة غلاطية 1:2- 9، رسالة كولوسي 10:4، الرسالة الأولى للكورنثوس6:9). ومثال لما يقولونه ما كتبه الشيخ أبو زهرة: "إن برنابا كان مع الدعاة الأولين الذين عملوا في الدعوة عملاً لا يقل عن عمل بولس، فلابد أن تكون له رسالة أو إنجيل" (محاضرات في النصرانية، ص 70).
وهذا الادعاء غير صحيح لما يلى :
1- نعم لقد كان برنابا من الدعاة الولين، ولكن ليس من المحتم أن كل واحد من تلاميذ المسيح ورسله وأتباعه في بدء الدعوة، أن يكتب رسالة أو إنجيل، فقد اختار الله بعضهم وأوحى إليهم بالروح القدس وكتبوا "لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط21:1).
2- إن قائمة أسماء التلاميذ والمذكورة في (مت2:10- 4، لو13:6- 16، مر16:3- 18، أع13:1) لا يوجد بها اسم برنابا أي أنه لم يكن واحد من الاثنى عشر، وبرنابا المذكور في الكتاب المقدس لم يكن اسمه برنابا بل يوسف، والذي دعاه بهذا الاسم هم التلاميذ وذلك بعد صعود المسيح، "ويوسف الذي دُعى من الرسل برنابا الذب يُترجم ابن الوعظ وهو لاوى قبرصى الجنس" (اع36:4).
3- إن كاتب إنجيل برنابا يسجل في مقدمته وفي الاصحاح الأخير إنكاره للتعاليم التي نادى بها التلاميذ وبولس والدعاة الأولين مثل: (أن يسوع المسيح هو ابن الله، موت وقيامة المسيح، عدم ضرورة الختان للخلاص.. وغيرها). وهذا يوضح أنه يمكن أن يكون كاتبه هو برنابا، وذلك للأسباب التالية: أ- عندما آمن شاول (بولس) بالمسيح "حاول أن يلتصق بالتلاميذ وكان الجميع يخافونه غير مصدقين أنه تلميذ، فأخذه برنابا وأحضره إلى الرسل وحدثهم كيف أبصر الرب في الطريق وأنه كلمة وكيف جاهر في دمشق باسم يسوع، كان معهم يدخل ويخرج في أورشليم ويجاهر باسم الرب يسوع" (أع26:9- 8)، وكان "شاول مع التلاميذ الذين في دمشق أياماً، وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح أنه هذا هو ابن الله" (أع19:9- 20) وهنا نرى برنابا يقدم بولس للتلاميذ، ويكرزان معاً بأن يسوع هو الله. بينما كاتب إنجيل برنابا يهاجم هذا التعليم بشدة. ب- عندما نمت الكنيسة في أنطاكية قرر الرسل أن يرسلوا برنابا إلى أنطاكية ليعلَّم ويشجع المؤمنين هناك. وعندما ذهب برنابا إلى هناك ورأى اتساع العمل "خرج برنابا إلى طرسوس ليطلب شاول، ولما وجده جاء به إلى أنطاكية، فحدث أنهما اجتمعا في الكنيسة سنة كاملة وعلَّما جمعاً غفيراً، ودُعى التلاميذ مسيحيين في أنطاكية أولاً" (أع25:11- 26)، وكرزا معاً بأن يسوع هو ابن الله وأن الله أقامه من الموت (أع33:13- 35). وهذا يخالف إنجيل برنابا الذي ينكر أن المسيح هو ابن الله، وينكر موته وقيامته. 4- لقد استغل مؤيدو إنجيل برنابا بعض النصوص الكتابية للبرهنة على أن كاتبه هو برنابا المذكور في أسفار العهد الجديد، وبدراسة هذا النصوص نرى سوء النية في التفسير... أ- مشكلة الختان: "وانحدر قوم من اليهودية وجعلوا يعلَّمون الإخوة إن لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم أن تخلصوا، فلما حصل لبولس وبرنابا منازعة ومباحثة ليست بقليلة معهم رتبوا أن يصعد بولس وبرنابا وأنا آخرون منهم إلى الرسل والمشايخ في أورشليم من أجل هذه المسئلة" (أع1:15- 2) وادَّعوا أنه قد حدث خلاف عقيدى بين بولس وبرنابا بسبب الختان، حيث أن الخلاف هنا ليس بين بولس وبرنابا في الإنجيل المزيف الذي يذكر أن الكلب أفضل من رجل غير مختون (برنابا2:22)، وأن غير المختون محروم من دخول الفردوس (برنابا16:23). ب- الخلاف بين بولس وبرنابا بسبب مرقس والمذكور في سفر (اعمال الرسل36:15- 41)، والخلاف هنا ليس بسبب التعاليم أو العقيدة، ولكنه حول مرافقة مرقس لهما في الرحلة التبشيري الثانية. إذن لم يكن هناك خلافات حول العقيدة والتعاليم بين بولس وبرنابا، والوحد في ارساليتها ورسالتهما واضحة جداً في سفر أعمال الرسل (أع36:4، 26:9 و27، 22:11- 25، أع24:12، أع1:13- 5.. الخ).
ومن هنا نستنتج أن إنجيل برنابا لم يُكتب بواسطة برنابا، بل بواسطة شخص آخر ارتكب أعظم خطأ باختياره برنابا- شريك الرسول بولس- ليكون كاتب هذا الكتاب.
* من هو كاتب إنجيل برنابا: هناك رأيان:
الرأي الأول: هو شخص يهودي أسباني أُجبر على اعتناق المسيحية في القرن السادس عشر أثناء محاكم التفتيش عندما كان الآب فيلبس بيير دى مونتلو هو المسئول عن محاكم التفتيش، وهو الذي أصبح فيما بعد البابا سكستيوس الخامس الذي جاء اسمه في مقدمة المخطوطة الأسبانية. وقد أراد هذا الشخص (الراهب مارينو) الانتقام من هذا البابا باختراع قصة وجود إنجيل برنابا في مكتبته، وذلك بعد اعتناقه الإسلام، ولسوء حظ كاتب إنجيل برنابا أن إنجيله لم يُكتشف في وقت الباب أسكستيوس الخامس، ولكنه نُقل إلى أمستردام وقد تُرك في مكتبة المؤرخ جوريجور بولي إلى فيينا.
الرأى الثاني: هو شخص مسلم، بعد سقوط الأندلس، ظهرت كثير من الكتب المزيفة وخاصة في مدينة غرناطة وإنجيل برنابا واحد من هذه الكتب المزيفة، الذي ينسج على منوال الأناجيل مع إدخال بعض العقائد والتعاليم الإسلامية بغرض نشرها في المجتمع المسيحي الأسباني، ومحاولة لنقص أساسيات الإيمان المسيحي بالهجوم المستتر وغير الواضح. رابعاً: الأدلة على أن إنجيل برنابا كتاب مزيف كُتب في العصور الوسطى: يرى الدارسون أن هناك أدلة خارجية، وأخرى داخلية: 1- الأدلة الخارجية: أ- الأدلة الخارجية من خلال الفكر المسيحي: - لا يوجد إنجيل برنابا في أى مخطوطة للعهد الجديد. - لا يوجد إنجيل برنابا في أي قائمة لأسماء أسفار الكتاب المقدس. - لم يقتبس منه ولا واحد من آباء الكنيسة في القرون الأولى. - لم يُذكر في قرارات المجامع سواء ككتاب قانونى مسموح بقرأته أو غير قانوني ممنوع قرأته. ب- الأدلة الخارجية من خلاف الفكر الإسلامي: - لم يأت ذكره لا في القرآن ولا في كتب الأحاديث.
لم يذكره المؤرخون القدامى مثل المسعودى واليعقوبي، والبيرونى... وغيرهم. - لم يذكره المفسرون مثل الطبرى، وابن كثير، والقرطبى، والرازى... وغيرهم. - لم يذكره المجادلون والمهاجمون مثل ابن حزم، والخزرجى، والشهرستانى... وغيرهم. -
لم يذكره فهارس الكتب مثل