مَن يُخرج المسيحيين من عين النار؟
لعل جولة سريعة على تصريحات مسيحيي الموالاة، ومقارنتها بما يصدر من تصريحات عن تيار المستقبل نفسه يجد أن الفريق المسيحي "تبرع" بجعل نفسه رأس حربة في المشروع التآمري القادم على لبنان، بينما يجهد الفريق الآخر في الموالاة في تنحية نفسه لتجنب فتنة سنية شيعية يتعذّر حسم الوضع الميداني فيها لصالح من يريد اشعالها، وعلى ما يبدو لن تنجو منها المنطقة بأكملها.
فهل يرى اصحاب هذا المخطط أن المدخل قد يكون بإشعال فتنة مسيحية – مسيحية أو مسيحية اسلامية؟ وهل يبقى مسيحي في الشرق، في حال اندلاع هذه الفتن، ودخول المسيحيين وقود فيها؟
قبل أن تطل تباشير المحكمة الدولية بعد، وفي ظل الكلام عن قرار اتهامي سيصدر، بادر البطريرك صفير الى التصريح بمعرفته أن "المحكمة الدولية دائمًا ما تكون نزيهة وتحكم بالحق، وعلينا أن نؤمّن لها حرية العمل من دون تأثير عليها، وذلك لكي تنطق بالحكم العادل" ولكن ما رأي البطريرك صفير بشهود الزور، وبظلم ضباط اربعة سجنوا ظلمًا؟
وإذا كان البطريرك قد استند الى ما قاله له جعجع من أنه ليس هناك من شهود زور، وأنه يرفض تشكيل لجنة للبحث في هذا الامر، وذلك في تصريح له في 27 تموز الجاري، فيبدو أن جعجع لم يطلع غبطته أنه عاد واعترف بان هناك فعلاً شهود زور، وأن سوريا هي التي أرسلتهم وفبركتهم وذلك في تصريح آخر بعد يومين فقط أي في 29 تموز الجاري، فاجتهد البطريرك على أساس التصريح الاول، فأخطأ في مواكبة التصريح الثاني.
ان الازمة المستجدة، تظهر أن بعض المسيحيين لم يتعلموا شيئًا من دروس الماضي، ويبدو أن بعضهم يراهن اليوم على الاميركيين كما راهن عليهم عام 1989. في المرة السابقة، راهن جعجع على الاميركيين ولبى طلبًا صريحًا لمورفي بالهجوم على العماد عون، فكان أن اوصله رهانه الى السجن، وتحمّل مسيحيو لبنان ما تحملوه من تهميش وهجرة بسبب الرهانات الخاطئة ومحاولة فرض واقع سياسي وعسكري في المناطق المسيحية.
بيد أن تجربة السجن لم تغيّر في جعجع، فها هو اليوم يراهن على الاميركيين، ويستقوي بـ "الشقيقة" مصر، وسفيرها الذي يطمح الى أن يكون سفيرًا فوق العادة كما كان قبله جيفري فيلتمان ورستم غزالي.
والسؤال: على ماذا يتكل مسيحيو الموالاة ومنهم جعجع لاطلاق تصريحات نارية بهذا الشكل؟
هل يتكل جعجع اليوم، على مخطط بدأ تنفيذه مع الاشكالات المفتعلة التي قام بها اليونيفيل في الجنوب، والتي هدفت من ضمن مخطط متعدد الابعاد، الى ابعاد الجيش اللبناني واشغاله في الجنوب لتخلو الساحة عسكريًا في الساحة المسيحية، للتحضير والتدريب والتحضر لمواكبة ميدانية لأمر ما يحضّر اقليميًا؟
هل يتكل مسيحيو الموالاة، على ما تروّج له اسرائيل من ضربة عسكرية واشكالات في ايلول القادم ترافق القرار الظني، فيستعدون لحجز دور لهم منذ الآن في سيناريو الفتنة القادمة؟
وماذا لو تمّ احتواء الوضع، وأدّت التدخلات الاقليمية والوساطات الى افشال سيناريو الفتنة، واتفق الحريري وحزب الله، على مخرج للأزمة، ماذا سيكون موقف هؤلاء؟ هل سيرفضون الحل؟ وهل سيبقون وحيدين في الساحة ضد حزب الله؟
هل يدرك هؤلاء أن لا مصلحة للمسيحيين في الدخول عنوة الى مشكلة لا طاقة لهم على احتمال نتائجها مهما كانت؟
هل مَن يسدي اللبنانيين والمسيحيين خدمة، ويذكّر جعجع بكوارث رهاناته السابقة؟ وهل من يخبره عما فعلته مصر "الشقيقة" بالفلسطينيين؟
وهل من يخبر مسيحيي الموالاة ما كان من أمر جميع الذين حاولوا ركوب الموجات الدولية والاقليمية من المسيحيين، فوجدوا أنفسهم وأدخلوا المسيحيين في دوامات لم تنته ولن تنتهي الا بتقليص عددهم وانقراضهم من الشرق؟ هل من يخبرهم أنه لم يبقَ مسيحيين في العراق، وان مسيحيي فلسطين باتوا معدودين، وأن مسيحيي لبنان تقلصوا حتى بات عددهم يوازي ثلث السكان المقيمين؟
هل من يسألهم: ماذا فعل الاميركيون للمسيحيين في العراق، وكيف فرغ العراق من مسيحييه؟
من المؤكد أن مسيحيي لبنان ومن خلالهم مسيحيي الشرق يعيشون خطرًا حقيقيًا على وجودهم ودورهم، وعليهم ان يدركوا ذلك، وأن يتيقنوا أن الغرب تخلى عنهم منذ زمن بعيد، وإن مصلحته تقضي بالتخلص منهم كما فعل بالمسيحيين العراقيين والفلسطينيين من قبلهم، وكما يحاول أن يفعل الحكم المصري بأقباط مصر.
لذا، من واجب مسيحي لبنان اليوم مقاومة ما يحضّر ضدهم وعبرهم من مؤامرات على الوطن وعلى وجودهم فيه، وذلك عبر:
- النأي بالذات عن لعب أي دور في الفتنة القادمة أو سيناريوهات التوتير القادمة الى لبنان، فلن يسلم منها أحد إن اندلعت، بل ستحرق لبنان بمسلميه ومسيحييه.
- الاتعاظ من التجارب والاستفادة منها في المستقبل، وعدم الوثوق ولا الاتكال على الدول الاجنبية للحماية.
- الايمان بأن لا خيار لهم الا الاندماج بالمحيط وبأن لبنان جزء لا يتجزأ من المنطقة، وعليه مواجهة ما يحاك له بامتلاك جميع مقومات القوة.
- الكفّ عن التطلع الى تقسيم لبنان، وقيام دويلة طائفية، لأن من شأن هذا الامر أن ينهي لبنان ويفني المسيحيين قبل المسلمين فيه.
والاهم من هذا كله، تقديم المصلحة العامة على المصالح الفردية الذاتية.